على الرغم من احتواء باطن العراق على أكبر احتياطي من الذهب الأسود (النفط) في العالم إلاّ أن شعبه يذوق مرارة الفقر والحرمان؛ إذ أكدت دراسة حديثة أن ثلث سكان العراق يعيشون في فقر، بينما يعيش أكثر من 5% في فقر مدقع. فأين تذهب عوائد النفط؟ سؤال يطرح نفسه في ظل واقع مرير يعيشه العراق والعراقيون.
تقدر الاحتياطيات النفطية العراقية بـ (112) مليار برميل والمحتملة بـ (214) برميل.. والاحتياطي النفطي العراقي في تصاعد، كما يمتلك العراق حقولاً نفطية غير مستثمرة لأغراض الإنتاج. كل هذه الثروات أسالت لعاب الولايات المتحدة والشركات الأجنبية التي تكالبت على العراق للنيل من الكعكة النفطية، فقد سعت الولايات المتحدة لضمان الهيمنة على النفط العراقي، وفرض نظامها الأمني في الخليج العربي، وأن يكون العراق جزءاً من عملية التسوية العربية- الإسرائيلية، وأن تجري السيطرة التامة على الأسواق العراقية، وتأمين إسهام الاستثمارات والاحتكارات الأمريكية في عملية إعادة بناء الاقتصاد العراقي الذي تبقى أبوابه مشرعة أمام الرأسمالية الأمريكية وحتى الإسرائيلية!! ولقد بدأت لعبة السيطرة على نفط العراق..وتتجسد في مشاريع القوانين الجديدة، والتي يفترض بالبرلمان العراقي المصادقة عليها؛ لأنها توفر للاحتكارات الغربية ما حلمت به منذ شروعها باستغلال النفط العراقي إبّان تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام "1921" بالاتفاقات الطويلة الأمد المربحة جداً، والتي تتجاوز ضعف الربح المعياري للاتفاقات النفطية المتاحة عموماً. وأيضاً تمنع الحكومة العراقية مستقبلاً من تأميم الصناعة النفطية.
وتؤكد فحوى التقارير الدولية على نوايا شركات النفط الأمريكية والبريطانية من استغلال العنف الدائر في ظل الأوضاع السائدة في العراق لكسب المفاوضات السرية التي تجري خلف الأبواب المغلقة حول تقسيم الإنتاج النفطي، من خلال فرض عقود طويلة الأمد لا تقل مدتها عن ( 25- 40 سنة) مع الحكومة العراقية.
الحكومة العراقية
يؤكد المراقبون أن لعبة السيطرة على نفط العراق بدأتها الحكومة العراقية حينما رفعت أسعار وقود السيارات ووقود الدور السكنية من نفط وغاز، استجابة للضغوط الدولية المتعلقة بموضوع الديون وموضوع الخصخصة الموعودة التي تحرق بنارها الأغلبية التي سحقتها الدكتاتورية، ولم ينصفها عراق ما بعد التاسع من إبريل، وتوفر بذات الوقت الربح الوفير غير المعقول للبورجوازية البيروقراطية والطفيلية والنخب السياسية الحاكمة في العراق، والتي بسلوكيتها المتسترة بالعباءة الدينية تقوم حكومات الائتلاف الحكومي الموحد بتغطية الجوهر اللصوصي للعولمة الرأسمالية، والتستر على عسكرة الاقتصاد العراقي، ولتتحول الخصخصة في نهاية المطاف إلى إعادة توزيع الثروة لصالح البورجوازية المحلية والأجنبية، وليتسنى بمقتضاها نزع ملكية الدولة، ونقل أصولها الإنتاجية للقطاع الخاص، بغض النظر عن هوية أو جنسية من يمتلكونها، كما خفضت الحكومة الدعم المقدم لاستيراد المشتقات النفطية بصورة حادة خلال عام 2007 ليصل إلى (300) مليون دولار فقط لدعم استيراد النفط الأبيض، بينما وصل عام 2005 إلى (4.5) مليار دولار، وعام 2006 إلى (2.5) مليار دولار. وتتوقع وزارة النفط الشهرستانية زيادة أسعار المشتقات النفطية، بحلول شهر مارس 2007، إلى ما يصل إلى 15%. واعترف وزير النفط نفسه بحقيقة أن هذا الإجراء يأتي نتيجة لضغوط صندوق النقد الدولي.
كل ذلك يبين أن ثروات العراق النفطية أصبحت مباحة للاحتلال وعملائه، في حين أن السواد الأعظم من الشعب العراقي يعاني من الفقر والحاجة، ولا يجد ما يسد رمقه في دولة تعوم على بحيرة من النفط.
فقر مدقع
وأكدت دراسة حديثة أن ثلث سكان العراق يعيشون في فقر بينما يعيش أكثر من 5% في فقر مدقع، وانتقدت الدراسة السياسات التي تطبق لتحويل الاقتصاد العراقي لاقتصاد السوق الحر قائلة إنها تفاقم مستوى الحرمان، وذكرت دراسة أجراها الجهاز المركزي للإحصاء العراقي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن نسبة عالية من العراقيين يعيشون في مستويات مختلفة من الفقر والحرمان، على الرغم من الموارد الطبيعية والمادية الهائلة للبلاد.
وأظهرت الدراسة تراجعاً في المستوى المعيشي للعراقيين وخسارة ما تم تحقيقه في السبعينيات والثمانينيات، خاصة فيما يخص البنية التحتية، وتتراوح نسبة المعاناة بين توفر خدمات أساسية مثل الكهرباء والماء، تتبعها الحالة المادية للعائلات، ثم الظروف السكنية للعراقيين.
وأشارت الدراسة إلى أن هناك اختلافاً كبيراً في مستوى المعيشة في أنحاء العراق؛ حيث تعاني المنطقة الجنوبية من أبرز علامات الحرمان، تتبعها المنطقة الوسطى ثم الشمال، وأضافت أن المناطق القروية تعاني من الحرمان بنسبة تزيد ثلاث مرات عن المدن، حيث تعتبر مناطق بغداد من أفضل المناطق في العراق.
منقول