لم تهدأ أزمة الرسوم من الخصوم ... حتى جاء الهجوم هذه المرة من أكبر شخصية دينية مسيحية .. البابا بينديكيت السادس عشر. اختار البابا أن تكون مقدمة محاضرته التي ألقاها في جمعٍ من العلماء الألمان في جامعة ريجينسبرج يوم 12 من سبتمبر 2006م عبارة عن هجومٍ صريح على نبي الإسلام – نقلها عن غيره - قائلاً: "أَرِني ماذا قدم محمد من جديد، وسوف لن تجد إلا أموراً شيطانية وغير إنسانية، مثل أوامره التي دعا إليها بنشر الإيمان عن طريق السيف".
اختار البابا أن يقدم لمحاضرته باقتباسٍ طويل من أحد الكتب التاريخية، عن أهمية استخدام المنطق في التعرف على وجود الإله، ولم يكن الاقتباس إلا هجوماً غير مبرر عن النبي وعلى الإسلام.
فهل كان اختيار الهجوم على النبي مصادفة، أم خطأً غير مقصود من الرمز الغربي الأعلى للمسيحية المعاصرة؟
وما هي أهمية أو جدوى هذا الاقتباس الطويل من كتاب يؤرخ لنقاشٍ مرَّ عليه أكثر من ستمائة عام؟ ألا يوجد ما يوضح موقف الإسلام المعاصر من الجهاد إلا هذا الإمبراطور البيزنطي؟
وهل نحن على وشك أن نسمع البابا في تصريح تالٍ له يدعو إلى الحرب الصليبيّة؟
أم هل يمكن أن تكون تصريحات الفاتيكان دليل على عدم نضج الوعي الإسلامي في إيصال حقيقة الإسلام بتجرّد إلى الغرب؟ أم أن الأمر لا يخرج عن الصّراع التاريخي بين الحق والباطل، والذي يمتد من صراع المسلمين مع الإمبراطورية الرومانية الشرقية البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية، مروراً بالحروب الصليبية في المشرق والمغرب الإسلاميين وذكرياتها المؤلمة المرتبطة بمحاكم التفتيش في الأندلس وقتل المستأمنين في القدس، ثم مرحلة الاستعمار في القرن العشرين وصرخة القائد البريطاني ألنبي بعد احتلاله القدس: الآن انتهت الحروب الصليبة!! وأخيراً احتلال أفغانستان والعراق التي ادّعى بوش بأنه قام به بأمر الرب= وحتى قيام الساعة، وأن هذا الصراع سيظل دامياً حينا،ً و مقنعاً أحياناً أخرى مهما كان هناك من جهود ملموسة في مجال توضيح صورة الإسلام لدى الغرب؟
وهل يريد البابا أن يقدم الغطاء الديني من أعلى قداسة مسيحية على العدوان الغاشم الذي تقوده الإدارة الأمريكية على العالم الإسلامي؟
وهل أصبح البابا مجرد أداة في يد السياسة الأمريكية التي تحشر كل من يختلف معها في قائمة الإرهاب؟
وهل تعتقد بأن علماء الإسلام ودعاته خرجوا جميعاً من الهجمة السابقة بموقف مشرِّف وبنّاء، وتجربة عملية إيجابية في مواجهة استفزازات الغرب؟
وهل ترى بأن تصريحات الفاتيكان الأخيرة كشفت عن عدم تأثر الغرب بالمظاهرات الصاخبة للجماهير الإسلامية في مسألة الرسوم المسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم- في الدانمارك، وعدم حسابه للمسلمين أي حساب أو حتى وجود؟
وهل المطالبة بالاعتذار تعدّ مطلباً كافياً يزيل ما تتركه تلك التصريحات من ردود فعل غاضبة في نفوس المسلمين؟
أسئلة تشير بأصابع الاتهام إلى البابا الذي يبدو أنه قد اختار أن يوجه الكنيسة الكاثوليكية في نفس اتجاه الكنيسة البروتستانتية، وهو الهجوم على الإسلام وعلى خير خلق الله محمد صلوات الله وسلامه عليه. كان التوقيت غريباً، والمكان كان غير مناسب، وأسلوب الخطاب كان عدائياً دون مبرر.
منقول